المشاركات

المرأة في عيون الفلاسفة: الحرية والوجود والمعنى"

 المرأة في عيون الفلاسفة: الحرية والوجود والمعنى. يا امرأة، إن الفلاسفة حين تحدثوا عنكِ، لم يكونوا في الحقيقة يتحدثون عنك وحدك، بل عن إنسانيتهم هم. فأفلاطون حين وضعك في جمهوريته شريكة في الحراسة والحكم، كان يحلم بعدالة يتجاوز فيها الجسد ليبلغ الروح. وميل حين طالب بتحريرك، لم يفعل ذلك كمن يمنحك هبة، بل لأنه أدرك أن إنسانية الرجل تظل ناقصة ما لم تتحرري أنتِ. وبوفوار حين قالت إنك تُصنعين ثقافياً، كانت تضع إصبعها على أخطر قيد: أن الهوية قد تُفرض عليكِ قبل أن تتنفسي حريتك الأولى. حتى نيتشه، رغم حدته، لم يرَ فيك ضعفاً بل مرآةً تكشف هشاشة كل سلطة وادعاء. لكن الحقيقة الأعمق هي أنك لستِ مجرد فكرة في كتبهم. أنتِ مشروع وجودي متجدد. فلسفة المرأة ليست في أن تكون مساوية للرجل أو مختلفة عنه فقط، بل في أن تكون صانعةً لمعنى وجودها. المنطق لا يكتمل إلا حين نرى أن الحرية ليست امتيازاً ذكورياً ولا مطلباً نسوياً فقط، بل ضرورة كونية. أكتب إليكِ إذن لا لأعيد ما قيل، بل لأضيف ما لم يُقل: إنك لستِ نصفاً يكمل نصفاً، بل كياناً كاملاً يتقاطع مع كيان آخر. وجودك ليس مرهوناً بكونك ابنة أو زوجة أو أماً، بل بكونك ...

التناقض الداخلي

صورة
التناقض الداخلي: حفريات في قلب الإنسان "هناك في مكانٍ ما بداخلي رجل يصرخ، لا يريد أن يموت، ولا يريد أن يعيش، لكنه لا يستطيع أن يصمت أيضًا." بهذه الكلمات بدأ حديثه — لم يكن يتحدث إلى أحد، بل إلى صدى نفسه المتشظية. لقد جلس في العتمة، كمن يحفر نفقًا في جسده، لا ليهرب، بل ليجد من يسكن فيه حقًا. 1. البذرة الأولى للتناقض: عندما تعيش ذاتين في جسدٍ واحد منذ البدء، يولد الإنسان مخلوقًا مركبًا. لا يجري في عروقه دم فقط، بل أوامر متضادة: أن يحب وأن يكره، أن يُقبل وأن يهرب، أن يؤمن وأن يشك. العلم لم يغفل هذا. علم الأعصاب الحديث يؤكد أن قرارات الإنسان تُبنى في طبقات متضاربة من الدماغ: القشرة الجبهية (Frontal Cortex) تسعى للمنطق والتخطيط. بينما الجهاز الحوفي (Limbic System) يصرخ بالغرائز والانفعالات. والإنسان ليس هذا أو ذاك، بل الميدان الذي يتصارعان فيه. لكن ما يعجز العلم عن قياسه هو: ألم هذا الصراع. فالرجل الذي يستيقظ في الثالثة صباحًا مذعورًا، لأنه يحب امرأته ويشتهي غيرها، لا تعنيه الرسوم الدماغية… هو لا يريد تفسيرًا. هو يريد أن يعرف فقط: لماذا يُقسّمني داخلي إلى نصفين؟ 2. في قلب كل إنسا...

"فلسفة البكالوريا 2025: لماذا صدمت المواضيع الجميع؟ من المسؤول… الفلسفة أم العقل العربي؟"

العقل بين سجنه وتحرره: مقاربة فلسفية في ضوء كارثة البكالوريا حين نُقوّض الفكر، نقتل الفلسفة. وحين نُقصي الفلسفة، نُطفئ النور الذي يهتدي به الإنسان في ليله العقلي. هذا ما حدث — ويا للأسى — في امتحانات البكالوريا الأخيرة في الجزائر، حين تصادمت عقول آلاف الطلبة بجدار موضوعات فلسفية لم يكونوا قد أعدّوا لها فكراً، بل حُقنوا بتوقعات أساتذة — مهما كانت نيتهم حسنة — أعطوا الوهمَ هيئة الخلاص. فكانت النتيجة: هزيمةٌ فكرية، لا تربوية فحسب، وأزمة وجودية لا تعليمية فقط. بين الظن واليقين: أزمة التوقع والتفكير لقد أخطأ الطلبة حين وثقوا في اقتراحات لا تُلزم الواقع بشيء، وأخطأ المجتمع حين علّق أمله على حفظ دون فهم، وعلى النقل دون عقل. هنا نرى ما يشبه مأساة دوستويفسكي حين قال في "الأخوة كارامازوف": «لقد أراد الإنسان أن يُحرر نفسه من ثقل الحرية فسلّم عقله إلى الآخر». هكذا سلّم الطلبة عقولهم إلى الأستاذ، لا رغبة في التعلم، بل رهبة من التفكير. والرعب من التفكير هو أول أبواب الانحدار العقلي. الفلسفة: المتهم البريء في هذه المحرقة الذهنية، وُجّهت أصابع الاتهام لا إلى النظام، ولا إلى ثقافة التبعية الف...

لماذا أيها الملحد؟

صورة
الملحد: صراع القلب في غياب الصوت بقلم عزالدين خليل  أيها السادة، إنني لا أهاجم الملحد، بل أنظر إليه كما أنظر إلى نفسي حين كنت وحيدًا أمام الجدار الأبيض، أتساءل: هل يسمعني أحد؟ إن الملحد ليس رجلاً بلا مشاعر، بل كثيرًا ما يكون أكثر حساسية من المؤمن، لأنه يتحمل عبء الصمت وحده. الملحد، في أعماقه، لا يبحث فقط عن نفي الله، بل عن مَن يفهم هذا العذاب الكامن حين يسير في الحياة دون يد غير مرئية تسنده. هو ليس ساخرًا، بل مجروحًا. إنه الذي يفتح عينيه في الليل، ويجد السماء بلا نجوم، ويسأل: ما جدوى أن أحب، أن أتعذب، أن أعيش، إذا كانت كل هذه الذكريات ستُمحى كما يُمحى اسم على الرمل؟ صديقي الملحد، أنا أعرف ما في صدرك. أعرف أنك لا تحتقر المعنى، بل تعاني من غيابه. أنت لا تنكر لأنك لا تشتهي الله، بل لأنك اشتقت له ولم يأتِ. طلبت علامة، فلم تجد. صرخت في فراغ الكون، فردّ عليك الصدى. أتعرف ما أقسى ما في الإلحاد؟ ليس غياب الجنة، بل غياب المغزى. أن ترى طفلاً يموت، فلا تجد مَن تسأله: "لماذا؟". أن تحب إنسانًا، ثم تفقده، دون أمل في لقاء. أن تغفر، لا لأنك تؤمن بالخلاص، بل لأنك ترفض أن تنطفئ داخلك، حتى لو ل...

الدين أم العقل؟ من يصنع أخلاقنا؟

صورة
  الدين أم العقل؟ من يصنع أخلاقنا؟ تمهيد: سؤال الأخلاق قبل أن يولد الإنسان الحديث هل الأخلاق تنبع من نورٍ فوقي يتجاوز الإنسان، أم من شرارة داخلية نابعة من وعيه العقلي؟ هل نحتاج مرجعًا سماويًا يحدد الصواب، أم أن الإنسان كائن قادر على صناعة قانونه الأخلاقي بنفسه، مجردًا من الوصاية؟ السؤال هنا ليس عن الخير والشر، بل عن السلطة التي تشرّع معناهما. العقل كقانون أخلاقي مستقل في داخل كل إنسان قدرة فطرية على التمييز بين الفعل الخيّر والشرير، دون الحاجة إلى تهديد أو وعود. لو وُضِع الإنسان في الفراغ، بلا مجتمع أو دين، سيشعر بوخز داخلي إن ظلم، وسكينة إن أنصف. هذا الإحساس ليس غريزة، بل قانون عقلي ذاتي. ليس هو صوت الله، بل صوت الضمير الذي لا يحتاج إلى رقيب. حين يُنَظَّم الفعل لا وفق العواقب، بل وفق مبدئه الداخلي، يولد السلوك الأخلاقي الأسمى. هذا القانون لا يصدر عن الخوف من النار، بل عن احترام الذات. تفكيك قداسة الأخلاق الزائفة لكن، ماذا لو كانت الأخلاق ذاتها وهمًا؟ ماذا لو كل ما نعتبره "فضيلة" ليس إلا قيدًا اجتماعيًا؟ قناعًا يرتديه الإنسان ليخفي به رغبته في السيطرة؟ في لحظة تأمل صارخة، تتس...

العبث والفيزياء الكمية: رحلة إلى المعنى

صورة
العبث الكوني: تقاطع الفلسفة والفيزياء الكمية في البحث عن المعنى   المقدمة يشهد العصر الحديث تقاطعًا غير مسبوق بين العلوم الطبيعية والفلسفة، حيث تتحدى الاكتشافات في الفيزياء الكمية المفاهيم التقليدية للوجود والمعنى. في هذا السياق، يبرز مفهوم "العبث"، الذي طُرح بقوة في الفكر الوجودي من خلال أعمال فلاسفة مثل ألبير كامو وفريدريك نيتشه، كإطار تحليلي يحتاج إلى إعادة تقييم. إذا كان العبث تقليديًا يُعرف على أنه التناقض بين رغبة الإنسان في إيجاد معنى والصمت الكوني الذي يواجهه (كامو، 1942)، فإن هذا البحث يقترح إطارًا جديدًا يتجاوز هذا التعريف. نجادل هنا أن العبث ليس مجرد تجربة إنسانية، بل قد يكون خاصية جوهرية للكون نفسه، كما تكشف عن ذلك مبادئ الفيزياء الكمية. يهدف هذا المقال إلى استكشاف هذا التقاطع، مع التركيز على كيفية إعادة صياغة فلسفة العبث في ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة. إطار نظري: العبث في الفلسفة الوجودية في كتابه "أسطورة سيزيف"، يعرّف ألبير كامو العبث بأنه نتاج الصراع بين الحاجة البشرية للمعنى وغياب أي إجابة كونية واضحة (كامو، 1942). هذا التصور يتأسس على افتراض ضمن...

الوعي كقوة كونية: تأملات في المصير والواقع والذات

صورة
:العنوان  الوعي كقوة كونية: تأملات في المصير والواقع والذات الكاتب: عز الدين خليل "إذا لم يكن هناك أساس خارجي للمعنى، فإن كل شيء مفتوح للتأويل"، هكذا يمكن أن نعيد صياغة تساؤل دوستويفسكي في ضوء الحقل المعاصر. لكنّ هذا التساؤل لم يعد حكرًا على الفلاسفة، بل صار من لُبّ الجدل العلمي حول الوعي والواقع. فماذا لو لم يكن الوعي وهمًا عصبيًا؟ ماذا لو كان قوة كونية حقيقية، حقلًا فيزيائيًا خامًا يخترق نسيج الزمكان؟ ماذا لو لم يكن السؤال: "من نحن؟"، بل: "ما الذي نصنعه بوجودنا؟" الفصل الأول: الإنسان، هذا الكائن الذي يعلم أنه يعلم كلب ينظر في عينيك، فيكاد يدرك شيئًا. ولكن الإنسان؟ الإنسان وحده يعلم أنه يراقب. وهذه المعرفة ليست تفصيلًا هامشيًا، بل لعنة وقداسة في آن. فمنذ لحظة الإدراك الأولى—ذلك الانكسار المفاجئ في مرآة الوعي—خرج الإنسان من الحيوانية لا لأنه بنى أدوات، بل لأنه صار يسأل عن مصيره. دوستويفسكي كان مهووسًا بالوعي، ومرعوبًا منه. كان يدرك أن الوعي ليس بالضرورة نعمة، بل قد يكون سجنًا. فبقدر ما يضيء، يحرق. وهو في ذلك يشبه النار: لا تحيا الحضارة من دونه، ولا تتوقف ع...