لماذا أيها الملحد؟
الملحد: صراع القلب في غياب الصوت
بقلم عزالدين خليل
أيها السادة، إنني لا أهاجم الملحد، بل أنظر إليه كما أنظر إلى نفسي حين كنت وحيدًا أمام الجدار الأبيض، أتساءل: هل يسمعني أحد؟
إن الملحد ليس رجلاً بلا مشاعر، بل كثيرًا ما يكون أكثر حساسية من المؤمن، لأنه يتحمل عبء الصمت وحده.
الملحد، في أعماقه، لا يبحث فقط عن نفي الله، بل عن مَن يفهم هذا العذاب الكامن حين يسير في الحياة دون يد غير مرئية تسنده. هو ليس ساخرًا، بل مجروحًا.
إنه الذي يفتح عينيه في الليل، ويجد السماء بلا نجوم، ويسأل: ما جدوى أن أحب، أن أتعذب، أن أعيش، إذا كانت كل هذه الذكريات ستُمحى كما يُمحى اسم على الرمل؟
صديقي الملحد، أنا أعرف ما في صدرك. أعرف أنك لا تحتقر المعنى، بل تعاني من غيابه.
أنت لا تنكر لأنك لا تشتهي الله، بل لأنك اشتقت له ولم يأتِ.
طلبت علامة، فلم تجد.
صرخت في فراغ الكون، فردّ عليك الصدى.
أتعرف ما أقسى ما في الإلحاد؟
ليس غياب الجنة، بل غياب المغزى.
أن ترى طفلاً يموت، فلا تجد مَن تسأله: "لماذا؟".
أن تحب إنسانًا، ثم تفقده، دون أمل في لقاء.
أن تغفر، لا لأنك تؤمن بالخلاص، بل لأنك ترفض أن تنطفئ داخلك، حتى لو لم يكن لذلك معنى.
الملحد يعيش مأساة النبيل بلا مملكة، الجندي بلا قائد، الشاعر بلا جمهور.
يخلق معناه بنفسه، نعم. لكنه يعلم أن ما يصنعه هش، مؤقت، وعرضة للزوال.
هو البطل الذي لا يصفق له أحد، الشهيد الذي لا يُخلَّد، الإنسان الذي يتحمّل كل شيء، لا من أجل سماء، بل فقط لأن كرامته تمنعه من السقوط.
وأقول لك، أيها الملحد: لست أقل نبلاً من المؤمن، بل ربما أكثر قسوة على نفسك.
أنت لم تهرب من الحقيقة، بل طاردتها حتى لم يبقَ منها سوى صداها.
لكن أليس في هذا البحث، في هذا الوجع، في هذا التمرّد الصامت، شيء من الصلاة؟
أليست معاناتك بذاتها سؤالاً يوجَّه إلى إلهٍ لا تجده، لكنه ربما يسمع رغم كل شيء؟
تعليقات
إرسال تعليق