الدين أم العقل؟ من يصنع أخلاقنا؟

 
الدين أم العقل؟ من يصنع أخلاقنا؟

تمهيد: سؤال الأخلاق قبل أن يولد الإنسان الحديث


هل الأخلاق تنبع من نورٍ فوقي يتجاوز الإنسان، أم من شرارة داخلية نابعة من وعيه العقلي؟ هل نحتاج مرجعًا سماويًا يحدد الصواب، أم أن الإنسان كائن قادر على صناعة قانونه الأخلاقي بنفسه، مجردًا من الوصاية؟


السؤال هنا ليس عن الخير والشر، بل عن السلطة التي تشرّع معناهما.



العقل كقانون أخلاقي مستقل


في داخل كل إنسان قدرة فطرية على التمييز بين الفعل الخيّر والشرير، دون الحاجة إلى تهديد أو وعود. لو وُضِع الإنسان في الفراغ، بلا مجتمع أو دين، سيشعر بوخز داخلي إن ظلم، وسكينة إن أنصف.


هذا الإحساس ليس غريزة، بل قانون عقلي ذاتي. ليس هو صوت الله، بل صوت الضمير الذي لا يحتاج إلى رقيب.


حين يُنَظَّم الفعل لا وفق العواقب، بل وفق مبدئه الداخلي، يولد السلوك الأخلاقي الأسمى. هذا القانون لا يصدر عن الخوف من النار، بل عن احترام الذات.




تفكيك قداسة الأخلاق الزائفة


لكن، ماذا لو كانت الأخلاق ذاتها وهمًا؟ ماذا لو كل ما نعتبره "فضيلة" ليس إلا قيدًا اجتماعيًا؟ قناعًا يرتديه الإنسان ليخفي به رغبته في السيطرة؟ في لحظة تأمل صارخة، تتساقط كل المسلّمات، وتنكشف الأخلاق على حقيقتها: أنها ولِدت من الضعف، من حاجة الإنسان لأن يُطَمئن ذاته وسط فوضى الكون.


وهنا، تنقلب الموازين: الفضيلة ليست قوة، بل علامة ضعف. والخير ليس ساميًا، بل وسيلة للنجاة من الخوف.



معاناة الوعي الأخلاقي: بين الحرية والذنب


حين يتحرر الإنسان من كل مرجعية خارجة عنه، ويجد نفسه وحده في ساحة الأخلاق، يبدأ العذاب الحقيقي. لا أحد يفرض عليه شيئًا، لكنه أيضًا لا يستطيع التهرب من حكم ذاته عليه.


هنا، لا يكفي أن تتصرف جيدًا، بل أن تعرف لماذا فعلت ذلك. وهل فعلته حرًا أم خائفًا؟ وهل كنت صادقًا أم مجرد مؤدٍ جيد في مسرح الفضيلة؟


إن أعظم عذاب أخلاقي لا يأتي من الآخرين، بل من الداخل. من تلك النظرة الصامتة التي تحاكمنا ونحن نكذب، نخون، أو حتى نصمت حيث يجب أن نصرخ.





العقل والدين: هل يمكن أن يتصالحا؟


ليس بالضرورة أن يكون العقل ضد الدين، أو الدين ضد العقل. لكن حين يتحول الدين إلى سلطة لا تُسائل، يصبح الأخلاق مجرد طاعة، لا اختيار. وحين يتوحش العقل ويغيب الضمير، تصير الأخلاق مجرد نفعية باردة.


الحقيقة: الأخلاق تولد حين يتلاقى احترام العقل مع رهبة المعنى، حين يُختار الخير لا يُفرض، ويُمارَس العدل لأنه عدل، لا لأنه مفروض.


خاتمة: الأخلاق كمسؤولية لا كوصية


من يصنع أخلاقنا؟ لسنا عبيدًا لوصايا، ولا آلهة نخلق معناها. نحن مسؤولون، وهذا يكفي. المسؤولية هي أعمق من الطاعة، وأصعب من الحرية. إنها لحظة الوعي بأن كل فعل تُقاس قيمته بقدر ما كنتَ حُرًا فيه.


في النهاية، ليست المسألة: من يقرر؟ بل: هل تجرؤ على أن تكون أخلاقيًا حين لا يراك أحد؟



عزالدين خليل 





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"مأساة صبايحي وجدي وصبايحي خالد في سطيف: عندما يُسقط العنف آخر أقنعة الإنسان"

ما معنى الحياة

الوعي ليس سرًا ميتافيزيقيًا: الإنسان امتداد مادي للكون"