الوعي ليس سرًا ميتافيزيقيًا: الإنسان امتداد مادي للكون"

 


التجذر الواقعي في المادة: الإنسان امتداد للكون لا انقطاع عنه


"كل الفلسفات السابقة – تقريبًا – ارتكبت خطأ جوهريًا: افترضت أن الإنسان كائن مفصول عن المادة. نحن نُولد ضمن أنظمة ثقافية تجعلنا نتصور أن الوعي قادم من عالم آخر، من الروح، من العقل الصرف، من التجريد. لكن الحقيقة: الوعي مادة معقدة، مركّبة، تطورت نتيجة احتكاك دائم بين الدماغ والبيئة.


الواقعية الوجودية تبدأ من هنا: لا يوجد وعي خارج الجسد. ولا ذات خارج التجربة. أنت هو جسدك، وكل ما تفكر فيه هو انفعال فيزيائي، تحوّل كيميائي، لكن هذا لا يقلل من معناه… بل يعمقه."



---


2. الوجود ليس عبثيًا، بل احتمالي


"عبثية كامو، وإن كانت توصيفًا دقيقًا للحالة النفسية، إلا أنها خاطئة من حيث الأساس المادي. الكون ليس عبثيًا، بل احتمالي. وهذا فرق جوهري. الاحتمال لا يعني غياب المعنى، بل غياب الحتمية الصارمة.


نحن كائنات تتكون من احتمالات فلكية فيزيائية: أي تغيّر طفيف في قوانين الجاذبية أو تكوين الذرة، وكان الكون سيبدو مختلفًا. نحن لسنا صدفة، بل ضرورة احتمالية. وهذا يمنحنا مكانة فريدة: نحن النتيجة الطبيعية لمنطق كوني، ولسنا هامشًا في فوضاه."



---


3. الوعي الأخلاقي غير مفروض، بل مكتسب عبر التجربة


"كانط افترض أن الأخلاق تأتي من 'الواجب'، من مبدأ علوي، مجرد. الواقعية الوجودية ترفض هذا. الأخلاق ليست مطلقة، لكنها أيضًا ليست نسبية بالكامل. هي نتيجة تفاعلات بيولوجية – اجتماعية – معرفية.


كل قيمة أخلاقية قابلة للتحليل والاختبار. 'الخير' ليس طيفًا سماويًا، بل هو ببساطة: ما يحافظ على استمرارية التفاعل بين الأفراد بأقل قدر من التدمير الذاتي. إنه وظيفة تطورية عميقة، تعزز فرص النجاة الفردية والجماعية. الإنسان الواقعي لا يطلب تبريرًا خارجيًا للأخلاق، بل يرى أنها ضرورة حيوية لتوازن النفس والمجتمع."



---


4. الحرية ليست مطلقة، بل نِسبية داخل البنية الكونية


"نيتشه صرخ بالحرية و'إرادة القوة'. لكننا لا نملك حرية مطلقة. نحن نعيش داخل شبكات من المحددات: جينية، بيئية، معرفية. كل قرار نتخذه، له جذور في ماضينا الطويل، في بيئتنا، في بنية دماغنا.


لكن… داخل هذا التقييد، هناك هامش صغير من الاختيار. هذا الهامش، هو كل ما نملك. الواقعية الوجودية لا توهمنا بالسيطرة الكاملة، لكنها تمنحنا فهمًا دقيقًا للقيود، مما يجعل حركتنا ضمنها أكثر حكمة. كلما فهمت قيودك، كلما أصبحت أكثر حرية."



---


5. المعنى يُبنى، لا يُعطى


"سقراط سأل عن الفضيلة. عن المعنى. عن الحياة التي تستحق أن تُعاش. الواقعية الوجودية تجيب: لا يوجد معنى جاهز، لا في السماء ولا في النصوص، بل المعنى هو بناء يومي، لحظي، مؤقت.


المعنى يولد من الاستمرارية. من اختيارك أن تتفاعل، أن تفكر، أن تصنع. كل ما تفعله هو لبنة في بناء المعنى، ولكن لا تُعطه قداسة أبدية. المعنى يجب أن يكون قابلاً للموت… ليكون حيًا."



---


6. العقل أداة، لا سيد. العاطفة بوصلة، لا عدو


"الفلسفة القديمة مجّدت العقل، واحتقرت العاطفة. الواقعية الوجودية تفهم الأمر بشكل مختلف: العقل ليس سيدًا، بل خادم مطيع للعاطفة، والعاطفة ليست ضعفًا، بل هي المحرك الأول للتفكير.


نحن لا نفكر لنعرف… نحن نفكر لأننا نشعر. الفكر الحقيقي ينبع من قلق، من فرح، من غموض. بدون العاطفة، لا رغبة في الفهم. لهذا، يجب أن نُصلح العلاقة بين الاثنين: العقل يُنقّح، والعاطفة تُلهم. كلاهما ضروري."



---


7. الواقع لا يحتاج إلى تصديق – بل إلى رؤية واضحة


"الدين، الأيديولوجيات، الميتافيزيقا… كلها محاولات لإجبار الواقع على أن يكون شيئًا آخر. لكنها تفشل، لأنها تنطلق من الحاجة النفسية، لا من الفهم الموضوعي.


الواقعية الوجودية تبدأ من هنا: لا يجب أن يكون العالم كما نريد، بل كما هو. نحن لا نبحث عن عزاء… بل عن وضوح. الحقيقة لا تُطمئن، لكنها تُحرر."



---


نظر خليل إلى نبيل، الذي بدا أنه نسي السيجارة بين أصابعه، وقال بصوت خافت:


"الفلسفة الواقعية الوجودية ليست دعوة للتشاؤم، ولا للأمل الزائف… بل هي دعوة إلى الشجاعة. شجاعة أن ترى. أن تعترف. أن تتقدم رغم عدم اليقين. أن تحب وأنت تعرف أن كل شيء فان. أن تخلق معنى، وأنت تدرك أنه مؤقت. أن تمشي في طريق دون ضمانة، لأنك أنت الطريق."


نبيل، لأول مرة، لم يُجب. فقط حدّق في وجه خليل كما لو أنه يرى انعكاس ذاته القديمة فيه… لكنه لم يكن خائفًا.


كان يحترق، لكن بنور جديد.


العائد إلى العدم 

رأيگ...



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"مأساة صبايحي وجدي وصبايحي خالد في سطيف: عندما يُسقط العنف آخر أقنعة الإنسان"

ما معنى الحياة