درجات الحب
تصاحب الأغاني العربية والشعر بالغزل والحب بشكل كبير، ورغم أن النسبة تكون أقل في الشعر مقارنة بالأغاني، إلا أن الافتراض السائد بأن مفهوم الحب والعشق والغرام متشابه ليس دقيقًا. من خلال البحث في المراجع والمعاجم، والاعتماد على أشعار الشعراء العرب، يتضح أن الحب له درجات مختلفة في الثقافة العربية.
فيما يتعلق بأصل كلمة "حُب"، لا يوجد اتفاق لغوي حوله، حيث يُشير بعض الروايات إلى أنها مشتقة من "حبة" بمعنى بذور الصحراء، بينما تقترح روايات أخرى أنها تأتي من "حُباب" وهو ما يعلو المياه في زمن الأمطار الغزيرة، مما يشير إلى غليان القلب والشوق.
يعتبر الحب عند العرب يمتلك 14 درجة، ما يتناسب مع يوم عيد الحب في 14 فبراير. تتضمن أولى درجات الحب مصطلح:
الهوى
جهلة الفتوة واللهو من الغزل، ومنه التَّصابي والصِبا. وفي الصبوة قال عنترة بن شداد:
إذا ريح الصَّبا هبت أصيلاَ شَفَت بهبوبها قلْباً عليلا
وجاءَتني تخبر أنَّ قومي بمن أهواه قد جَدّوا الرّحيلا
الشغف
يقال أن كلمة "شغف" أتت من "الشغافة"، والشغافة هي غِلاف القلب. وفي هذه الدرجة الأولية من الحب، يدخل الشخص إلى القلب من خلال الشغافة. قال ابن عباس في ذلك: دخل حُبه تحت شغاف قلبها.
الوجد
تعني الوجد والكلمة مشتقة في النفس والتفكير في المحبوب والحزن الدائم. يقول ابن الدمينة:
أَلا يا صبا نَجد لَقد هِجت من نجدِ
فهيّجَ لي مَسراك وجداً على وجدِ
الكلف
يعني "الكلف" الوُلوع بالشيء مع شغل قلب ومَشقة. نلاحظ هنا وفي الدرجة السابقة إدخال عنصر العذاب في الحب. من أجمل ما قيل عن الكلف أبيات لأبي النواس:
يا قلب ويحك جِد منك ذا الكَلَف ومَن كلِفت به جافٍ كما تصفُ
وكان في الحق أن يهواك مُجتهِداً كذاك خبّر منّا الغابر السَلَفُ
العشق
العشق يعني فرط الحب، وقيل: "هو عُجْب المحب بالمحبوب يكون في عَفاف الحُب ودَعارته". بعض ما قال نزار قباني عن العشق:
عندما قررت أن أنشر أفكاري عن العشق
ترددت كثيراً
فأنا لست بقسيس
ولا مارست تعليم التلاميذ
ولا أؤمن أن الورد
مضطر لأن يشرح للناس العبيرا
ما الذي أكتب يا سيدتي؟
إنها تجربتي وحدي
وتعنيني أنا وحدي
إنها السيف الذي يثقبني وحدي
.فأزداد مع الموت حضورا
النجوى
في سياق الحب، تعني النجوى الحرقة أو شدة الوجد من الحب أو الحُزْن. قال حسين أحمد النجمي:
أسافر في عينيك أبحث عن مأوى أيا رحبة الأحداق ياعذبة النجوى
نسيت على أهدابك السود عالمي وحلَّقت مشتقاً مع الأنجم النشوى
الشوق
الشوق يعني نزوعُ النَّفْس إِلى الشيء، أو تَعَلُّقها به. وقال المتنبي في الشوق:
أُغالِب فيك الشوق والشوق أغلَب وأعجب من ذا الهجر والوَصل أعجبُ
أما تَغلَط الأيّام في بأن أرى بغيضاً تُناني أو حبيباً تقَربُ
الوصب
وهو الألم الآتي من الحب. لغوياً: الوصب يعني الوجعُ والمرض. وقال جبران خليل جبران:
دعوتموني وبي ما بي من الوصب وهل دعا واجب قبلاً ولم أُجب
فإن أقصر وأرجُ اليوم معذرة فالوِد يُحفزني والجهد يُقعد بي
الاستكانة
الاستكانة هي مرحلة الذَلَ والخضوع للحب. وذُكرت الاستكانة في القرآن الكريم أكثر من مرّة:
"فما وَهَنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفوا وما استكانوا" [آل عمران146]
الود
الود هو خالص الحب وألطفه وأرقّه. من أجمل الأبيات في الود للمتنبي:
أقل اشتِياقاً أيّها القلب ربما رأيتُك تُصفي الوُد من ليس صافِيا
خُلِقت ألوفاً لو رجعت إلى الصّبى لفارقت شيبي مُوجَع القلب باكِيا
الخلة
في هذه المرتبة توحيد المحبة. الخلّة تضع المحبوب بمقام مُطلق غير قابل بالمشاركة. إذ قال البحتري:
قد تخلّلت مسلك الروح مِني وبذا سُمِّي الخليل خليلاً
الغرام
الغرام يعني "التعلُق بالشّيء تعلّقًا لا يُستطاع التخلص منه". وفي قصيدة "هاج الغرام" لعنتر بن شداد نقرأ:
هاج الغرام فدر بكاس مُدام حتى تغيب الشمْس تحت ظلاَم
ودع العواذل يُطنِبوا في عذلهم فأَنا صديق اللّومِ واللوّامِ
الهيام
أعلى درجة في الحب هي الهُيام، أي الجنون الخالص من كثرة الحب والعشق. وعن الهيام، قال حسن الطويراني:
أَعطى الهيام جمال بالذي أخذا واستنفد الصبر لَما حكمُه نفذا
وهَل ترى صحوة من والهٍ دنفٍ فؤاده من حميا وجدِه جَأذا
تعليقات
إرسال تعليق