اللانِجابيّة: موقفٌ أخلاقي ضدّ فرض الوجود Antinatalism -Azeddine khelil

"كل ولادة هي حُكمٌ بالإعدام مؤجَّل، وكل من يُنجب، إنما يضع حجرًا جديدًا في معبد الألم."


اللانِجابيّة: موقفٌ أخلاقي ضدّ فرض الوجود


في عالَمٍ لا معنى له، حيث تلتهم الفوضى النظام، وحيث يُعاد إنتاج البؤس في دوراتٍ أزلية، يبقى السؤال الأكثر رعبًا: لماذا نستمرُّ في إنجاب من سيعاني؟ ما الذي يُبرّر جلب وعيٍ جديد إلى مأساة لم يخترها؟ أي حقٍّ نمتلكه في فرض الألم، المرض، والعدم الحتمي على كائن لم يكن موجودًا ليطلب ذلك؟


إن اللانِجابيّة ليست فقط خيارًا فرديًا، بل موقفٌ أخلاقي راديكالي، رفضٌ لمسؤولية لا يمكن تبريرها، وتمرُّدٌ ضدّ حلقةٍ لا نهائية من الولادة، المعاناة، والموت. في هذا المقال، سأعرض خمسة عشر مبررًا أخلاقيًا يثبت أن الإنجاب ليس فقط قرارًا أنانيًا، بل جريمة ضد من لم يُمنح فرصة الاختيار.

. الولادةُ كفعلٍ قسري

لا أحد يُستشار قبل أن يُولد. يُلقى الإنسان في دوامة الزمن، يُسلَب من العدم المُريح، ويُحمَّل أعباء الحياة دون إذنه. في أي منطقٍ أخلاقيّ يُمكن تبرير فرض الوجود على من لم يطلبه؟ أيّ محكمةٍ عادلة ستُجيز مثل هذا الفعل، حيث يُحكم على كائنٍ واعٍ بالمشاركة في مسرحيةٍ لم يخترها؟


. حتمية الألم والمعاناة

كل حياة، مهما طالت أو قَصُرت، مليئة بالمعاناة: الجسد يمرض، القلب يُخذل، الأحلام تنهار، والموت ينتظر الجميع في نهاية الطريق. حين تُنجب، فإنك تكتب على أحدهم حُكمًا حتميًا بالألم، وتجعل منه أسيرًا لمعاناةٍ لم يكن ليعانيها لو بقي في راحة العدم.


. العدم أرحم من الوجود

قبل الولادة، لا يوجد ألم، لا يوجد ندم، لا يوجد إحباط. العدم هو السكون المُطلق، بينما الوجود هو اضطرابٌ دائمٌ لا مفرَّ منه. حين تُقرر الإنجاب، فإنك تنتزع كائنًا من سكونه الأبدي وتُلقي به في بحرٍ من الألم والمآسي التي لم يكن بحاجةٍ إليها.


. غياب الغاية الحقيقية للحياة

كل من يُنجب، يُبرر فعله بالقول إن الحياة "هدية". لكن، هديةٌ لمن؟ ومن الذي طلبها؟ وما هي الغاية منها؟ هل هي العمل حتى الموت؟ بناءُ أحلامٍ تنهار؟ تربيةُ جيلٍ جديدٍ ليُعيد نفس الأخطاء؟ إذا لم تكن هناك غاية موضوعية للحياة، فإن فرضها على شخصٍ آخر ليس فقط عبثًا، بل فعلًا أنانيًا.


. مسؤولية فرض الموت

كل من يولد، سيموت. الإنجاب ليس فقط فرضًا للحياة، بل هو أيضًا حُكمٌ بالموت. هل يُمكن تبرير فعلٍ نتيجته الحتمية هي العدم؟ كيف يمكن لإنسانٍ أن يُنجب طفلًا وهو يعلم أن هذا الطفل، عاجلًا أم آجلًا، سيتألم، سيشيخ، وسيفنى؟


. الأهل ليسوا آلهة

من يُنجب يظن نفسه صانعًا للحياة، لكنه في الحقيقة ليس سوى أداة لإعادة تدوير الألم. لا أحد يمتلك الحقّ في خلق حياةٍ جديدة كما لو كان إلهًا، خصوصًا حين تكون هذه الحياة مليئة بالعذاب والخذلان.


. الإنجاب كفعلٍ أناني

يُنجب الناس لأسبابٍ أنانية: خوفًا من الوحدة، رغبةً في ترك "إرث"، ضغطًا اجتماعيًا، أو حتى بحثًا عن معنى لحياتهم الخاصة. لكن في كل تلك الحالات، لا يُفكرون في مصلحة الطفل، بل في مصلحتهم الشخصية. هل من الأخلاقي استخدام شخصٍ آخر كأداة لإشباع حاجاتنا العاطفية؟


. وجود الشرّ في العالم

الحياة ليست فقط ألمًا ذاتيًا، بل هي مليئةٌ أيضًا بالشرور: الحروب، الجرائم، الظلم، العنف. كل من يُولد، سيضطر إلى التعامل مع هذا الواقع البائس. هل من الأخلاقي جلب إنسانٍ جديد إلى عالَمٍ حيث قد يكون ضحية لهذا الجنون؟


. عبء التوقّعات الاجتماعية

كل إنسان يُولد محمّلًا بأعباء المجتمع: عليه أن يكون ناجحًا، عليه أن يكون سعيدًا، عليه أن يلتزم بقيمٍ لم يخترها. لكنه لم يختر أن يكون جزءًا من هذا النظام أصلًا. لماذا يُفرض عليه هذا العبء دون موافقته؟


. الحرية المطلقة للعدم

إن أعظم أشكال الحرية، هو ألا يُجبر أحدٌ على الوجود. العدم هو الحالة الوحيدة التي يكون فيها الكائن متحررًا تمامًا من الألم، من المسؤولية، ومن القيود. من يُنجب، يُحرم ابنه من هذه الحرية المطلقة، ويُلقي به في قفصٍ زمنيّ لا فكاك منه.


. وهم السعادة مقابل الواقع

يعتقد البعض أن الحياة تستحقّ العيش لأنها تحتوي على لحظاتٍ جميلة. لكن هل يمكن مقارنة لحظاتٍ عابرةٍ من السعادة بساعاتٍ طويلةٍ من الألم، القلق، الحزن، والخسارة؟ أيّ كائنٍ عاقل، إن خُيّر بين سعادةٍ مؤقتة ومعاناةٍ حتمية، سيختار البقاء في العدم.


. الإنجاب كاستمرارٍ لدورة العبودية

كل جيلٍ يُنجب جيلًا جديدًا ليُعيد نفس الأخطاء، ليعمل، ليخضع، ليحلم، ثم ليموت. إنها دائرةٌ مغلقة، عبوديةٌ متكررة. كل من يُنجب، يساهم في استمرار هذه الدورة العبثية، بدلًا من كسرها.


. عدم القدرة على ضمان السعادة

لا أحد يستطيع أن يضمن لطفله حياة سعيدة. لا أحد يستطيع أن يعده بأنه لن يتألم، لن يمرض، لن يُخذل. فما الذي يجعلنا نأخذ هذا الرهان الخطير، ونُجازف بوجود كائنٍ لم يكن بحاجة لهذه المعاناة أصلًا؟.

 الحياة كمعادلةٍ خاسرة

في نهاية المطاف، مهما عاش الإنسان، ومهما حقق، سيواجه حتمية الموت. كل النجاحات، كل الأحلام، كل الحبّ، ستنتهي في التراب. فلماذا نُلقي بإنسانٍ جديد في هذه اللعبة الخاسرة سلفًا؟


. الرحمة الحقيقية هي عدم الإنجاب

أعظم عملٍ يمكن للإنسان أن يقوم به تجاه غير المولودين، هو ألّا يُنجبهم. الرحمة ليست في منح الحياة، بل في تجنّب فرض الألم. وحده العاقل يرى أن العدم هو الرحمة الكبرى، وأن الإحسان الحقيقي هو ألا نفرض على أحدٍ هذا العبء الثقيل الذي يُدعى الوجود.

خاتمة

إن الإنجاب ليس قرارًا بسيطًا، بل هو فعلٌ ذو تبعاتٍ أخلاقية عميقة. إنه ليس فقط إعطاء الحياة، بل هو فرضها، بجميع معاناتها، خيباتها، وآلامها. في عالَمٍ حيث لا يوجد خلاصٌ حقيقي، حيث الألمُ حتميّ، وحيث الموتُ هو المصير النهائي، فإن أعظم ما يمكن أن يفعله الإنسان الأخلاقي هو أن يرفض هذه الدائرة العبثية، وأن يترك العدم في سلام.لأن كل ولادة، هي في حقيقتها، خيانةٌ لمن لم يُستشَر.

عزالدين خليل



 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"مأساة صبايحي وجدي وصبايحي خالد في سطيف: عندما يُسقط العنف آخر أقنعة الإنسان"

ما معنى الحياة

الوعي ليس سرًا ميتافيزيقيًا: الإنسان امتداد مادي للكون"