عبثية الوجود: بين الوعي واللاجدوى
عبثية الوجود: بين الوعي واللاجدوى
الحياة ليست لغزًا يحتاج إلى حل، بل عبثٌ مستمر لا نهاية له. نحن نوجد دون أن يُطلب منا، ونعيش دون هدف محدد، ونبحث عن معنى في كونٍ لا يبالي بنا. مهما حاولنا أن نجد تفسيرًا لوجودنا، نجد أنفسنا أمام أسئلة بلا إجابات، في دوامة من اللاجدوى.
الإنسان كائن مأزوم منذ لحظة وعيه الأولى، يعيش في صراع دائم بين رغبته في الفهم وحقيقة أن لا شيء في هذا العالم يحمل معنى مطلقًا. الفلسفات، الأديان، الأيديولوجيات، كلها ليست سوى محاولات لتخفيف وطأة هذا العبث، لكن في النهاية، يظل السؤال قائمًا: لماذا نحن هنا؟ الإجابة، ببساطة، أننا هنا بلا سبب، وأن كل محاولاتنا لإضفاء معنى على الحياة ليست إلا خداعًا للذات.
خذ أي شخصية عظيمة عبر التاريخ، تأمل إنجازاتها، أفكارها، تأثيرها على العالم. في النهاية، كل شيء يتلاشى، يُمحى، يتحول إلى ذكرى باهتة في كتب منسية أو تماثيل فقدت قيمتها مع مرور الزمن. حتى أكثر العقول تألقًا لن تفلت من النسيان، فالموت لا يفرّق بين العبقري والأحمق، بين القديس والمجرم.
الكثيرون يرون هذه الحقيقة كابوسًا، لكنني أراها تحررًا. أن تدرك أن لا شيء له قيمة حقيقية، يعني أن تصبح حرًا من كل الأوهام. لا داعي للركض خلف أهداف فارغة، لا حاجة للانشغال برأي الآخرين، لا مفر من النهاية، فلمَ لا نعيش بلا قيود؟ حين تفهم أن الحياة بلا معنى، تصبح قادرًا على خلق لحظاتك الخاصة، على الرقص فوق الهاوية بلا خوف أو تردد.
قد يقول البعض إن هذا الفكر تشاؤمي، وإن الإنسان قادر على صناعة معنى لحياته بنفسه. سارتر وكامو، رغم اعترافهما بعبثية الوجود، دعوا إلى التمرد على هذا العبث عبر خلق قيمنا الخاصة. لكن، أليس هذا مجرد وهم آخر؟ أليس البحث عن معنى في عالم بلا معنى نوعًا من الخداع الذاتي؟
في النهاية، ربما يكون الاعتراف بعبثية الوجود هو أصدق أشكال الوعي. لا حاجة لأن نبحث عن إجابات كبرى، فالأسئلة نفسها عبثية. نحن هنا، نعيش لأننا لم نختر الموت بعد، نتحرك لأن السكون مستحيل. وربما، في هذه الفكرة بالذات، يكمن نوع من السخرية الجميلة، نوع من الحرية المرة.
"نحن عابرو سبيل في كون لا يسأل عنّا، فلنضحك على عبثية الرحلة قبل أن نغيب."
عزالدين خليل

تعليقات
إرسال تعليق