مأساة الوجود: رقصة العبث على أنقاض اليقين

مأساة الوجود: رقصة العبث على أنقاض اليقين

بقلم عزالدين خليل 

في البدء، لم يكن هناك معنى، فقط فراغ متثائب يتنفس عبر شقوق العدم. ثم جاء الإنسان، محمولًا على أجنحة الوهم، ليمنح هذا الفراغ أسماءً ويحيكه بخيوط المعتقدات، كي لا يبتلعه رعب الحقيقة العارية. كم هو مثير للشفقة هذا المخلوق الذي يلهث خلف إجابة، وكأن الكون مدين له بأي شيء!


يا لهذا الكائن المتورم بذاته، الباحث عن معنى حيث لا يوجد إلا الصدى! يختلق دينًا ليروض فوضاه، فلسفةً ليؤنس وحدته، وأخلاقًا ليغطي جريمة ولادته. يعبد الأصنام التي نحتها عقله الهش، ثم ينهار حين يكتشف أنها لا تسمعه، لا تجيبه، بل لا تعنيه أصلًا. الإنسان هو الكاهن والمصلوب في آنٍ واحد، يجلد ذاته بتوقه الأبدي لفهم ما لا يُفهم، فيستحيل وجوده مسرحية عبثية تنتهي دومًا بذات المشهد: قبرٌ لا يهمه شيء من كل هذا الهذيان.


نيتشه، بمطرقته، حطم الأوثان، لكنه لم يدرك أن كل ضربة ليست سوى صدى لحماقة جديدة. لا آلهة؟ حسنًا، ولكن ماذا بعد؟ الحرية؟ إنها الكذبة الأجمل، فالحرية المطلقة ليست سوى سقوط حر في هاوية بلا قاع. سيوران كان أقرب إلى الحقيقة، لأنه تجرّع مرارة العبث حتى الثمالة، حتى صار الضحك هو الرد الوحيد على كل سؤال.


انظروا إلى التاريخ، ذلك المقبرة التي نحفرها لأنفسنا منذ الأزل. الحضارات تنهض كأبراج رملية، ثم يأتي الطوفان ليمحوها، والإنسان يعيد الكرّة، مقتنعًا أنه سيبني صرحًا أبديًا هذه المرة. يا له من غبي نبيل! نحن مأخوذون بملهاة يائسة، نتحدث عن الحب وكأن له جوهرًا، عن العدالة وكأنها ليست مزحة، عن السعادة وكأنها ليست مخدرًا بجرعات صغيرة.


ولكن، هل هناك مهرب؟ كلا. هذا هو الرعب الحقيقي، أن تستيقظ يومًا دون أي قناعة لتسند رأسك عليها، دون أي وهم لتلتحف به في ليالي البرد. الإدراك هو العدم متجسدًا في الوعي، ونحن ضحاياه الأوفياء. لا شيء أكثر مأساوية من كائن يعجز عن إقناع نفسه بأنه موجود لسبب ما، ولكنه مع ذلك يستمر، فقط لأنه لا يعرف كيف يتوقف.


إذًا، لا تصدق أي شيء، لا إلهام الفلاسفة، ولا ترانيم المؤمنين، ولا ترهات العلمانيين الذين يظنون أن التكنولوجيا ستحل معضلة اللامعنى. في النهاية، كلنا نسير نحو الهاوية، البعض يغمض عينيه، البعض يغني، والبعض يصرخ، لكن الوجهة واحدة. ولعل أجمل ما في هذه المهزلة أننا ندرك حتمية سقوطنا، ومع ذلك، نواصل الرقص فوق حافة العدم.


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"مأساة صبايحي وجدي وصبايحي خالد في سطيف: عندما يُسقط العنف آخر أقنعة الإنسان"

ما معنى الحياة

الوعي ليس سرًا ميتافيزيقيًا: الإنسان امتداد مادي للكون"