🔴المسيلة : جريمة وليد زيطاري: القتل قبل الفجر... حين يخون الدم
جريمة قبل الفجر: حين يصبح البيت مقبرة
1- العائد إلى الموت
عاد وليد زيطاري إلى بيته كما يعود كل عائد، مُثقلًا بالمسافات، مشتاقًا لأهله، منتظرًا رائحة الخبز في السحور، صوت الأذان في الفجر، الأحاديث الدافئة حول المائدة. كان رمضان، وكان عليه أن يكون شهر الأمان، لكنه لم يكن يعلم أن العتمة كانت تنتظره هناك، في المكان الذي يجب أن يكون أكثر الأماكن دفئًا.
لقد نام مطمئنًا، نام كما ينام الإنسان في بيته، مُغلقًا عينيه دون خوف، تاركًا جسده يستريح بعد تعب السفر، دون أن يدرك أن الموت كان يقترب، خطوة بعد خطوة، يراقبه بصمت، يختبئ في جسدٍ يعرفه، في يدٍ يعرفها، في اسمٍ يعرفه.
كان القاتل من دمه.
كان القاتل يعرف كل شيء عنه، يعرف كيف ينام، كيف يضحك، كيف يتحدث، كيف ينظر للأشياء. لكنه في تلك الليلة لم يكن يرى فيه شيئًا. كان ينظر إليه كما ينظر الجلاد إلى ضحيته قبل أن يسقط الفأس. لا شفقة، لا تردد، لا شعور، فقط العتمة… العتمة التي كانت تسكنه منذ زمن، والتي قررت أن تخرج الآن، أن تحطم كل شيء، أن تسفك الدم دون سببٍ واضح، دون أن تترك حتى فرصة للصراخ.
2- الضربة الأولى... الصمت الأخير
لا يعرف أحد متى استيقظ وليد بالضبط. ربما لم يستيقظ أبدًا. ربما كان الحلم يحيطه عندما هوت الضربة الأولى.
لم يكن هناك صراخ، لم يكن هناك مقاومة. الضربة كانت مفاجئة، كأنما جاءت من العدم. الحديد يلتقي بالجمجمة، الدم يتفجر، الجسد يرتعش للحظة، ثم يتوقف.
لكن القاتل لم يتوقف.
ضربة أخرى.
ثم أخرى.
ثم أخرى.
ليس القتل هو الهدف فقط، بل المحو. محو الاسم، محو الوجه، محو كل شيء يربط هذا الجسد بالحياة. القاتل لم يكن يريد فقط أن يقتل وليد، بل كان يريد أن يمسح أثره من العالم، أن يدفنه قبل أن يُدفن، أن يجعله بلا صوت، بلا وجود.
وعندما انتهى، وقف هناك للحظة، يراقب ما فعله، يتنفس بصعوبة، يلاحظ الدم الذي بدأ يتجمع على الأرض، رائحة الحديد التي أصبحت جزءًا من المكان.
لقد فعلها.
والآن؟
لا شيء.
البيت ساكن، الليل كما هو، رمضان مستمر، لكنه لن يكون نفسه أبدًا.
3- الصباح الذي لن يأتي
حين اكتشفوا الجريمة، كان أول شيء في المكان هو الصمت. ثم بدأت الأصوات:
الصراخ.
النحيب.
الضرب على الصدر.
لا أحد يفهم، لا أحد يستوعب، لا أحد يريد التصديق.
بلدية محمد بوضياف كانت لا تزال نائمة، لكن هذا البيت استيقظ على شيء لم يستيقظ عليه من قبل: الموت في أحلك صوره.
الأم تقترب، تنظر، ثم... تنهار.
الأب لا يقول شيئًا. فقط ينظر، ولا يرى.
الإخوة يصرخون، يمسكون بالجدران، يبحثون عن شيء يمسكهم كي لا يسقطوا.
لكن الحقيقة لا ترحم أحدًا.
وليد لن يستيقظ.
لقد رحل، ليس في ساحة المعركة، ليس برصاص عدو، بل هنا، في البيت، في المكان الذي كان يجب أن يكون ملاذه.
في النهاية، ستتحرك العدالة، ستأتي الشرطة، ستأخذ الجثة، ستعتقل القاتل. سيُحاكم، سيُدان، سينال عقابه.
لكن العقاب لن يعيد الزمن.
الزمن توقّف هنا.
سيأتي رمضان آخر، لكن المائدة ستكون ناقصة.
ستُفرش السجادة للفجر، لكن هناك شخص لن يقوم للصلاة.
وستظل الأم، كلما سمعت الأذان، تتذكر أنه في تلك الساعة، في ظلمة ذلك الفجر، خسر بيتها نورًا لن يعود أبدًا.
عزالدين خليل
تعليقات
إرسال تعليق